الانتقال من سوريا والعراق إلى إسبانيا: تجارب اللاجئين

شهدت السنوات الأخيرة موجات هجرة كبيرة من سوريا والعراق إلى أوروبا، نتيجة للصراعات المسلحة، والأزمات الاقتصادية، والاضطهاد السياسي، وغيرها من الأسباب التي دفعت العديد من السكان إلى البحث عن حياة آمنة ومستقرة في بلدان أخرى. من بين الدول الأوروبية التي استقبلت عددًا متزايدًا من اللاجئين العرب، تأتي إسبانيا كوجهة مهمة، رغم أن تدفق اللاجئين إليها أقل مقارنة بدول مثل ألمانيا وفرنسا، إلا أن هناك تزايدًا في أعداد من يبحثون عن الأمان في الأراضي الإسبانية.

الانتقال من سوريا والعراق إلى إسبانيا: تجارب اللاجئين

في هذا المقال، سنتناول أسباب هجرة السوريين والعراقيين إلى إسبانيا، بالإضافة إلى تجارب اللاجئين الذين انتقلوا إليها، مع التركيز على التحديات التي يواجهونها، والفرص المتاحة، والآفاق المستقبلية.

 أسباب اللجوء من سوريا والعراق إلى إسبانيا

 1. الصراعات المسلحة والأزمات الإنسانية

سوريا:

بدأت الأزمة السورية في 2011، وتحولت إلى حرب مدمرة تسببت في مقتل مئات الآلاف، ونزوح الملايين داخليًا وخارجيًا. أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية، وانعدام الأمان، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، مما دفع الكثيرين للبحث عن ملاذ خارجي.

 العراق:

شهد العراق منذ عام 2003 وحتى الآن اضطرابات أمنية وصراعات مسلحة، خاصة بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، وتصاعد النزاعات الطائفية، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي تسبب في موجات نزوح واسعة، وتهجير قسري للسكان.

 2. الأوضاع الاقتصادية الصعبة

بعد سنوات من الصراعات، تدهورت الأوضاع الاقتصادية في سوريا والعراق، مع ارتفاع معدلات البطالة، وانعدام فرص العمل، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، مما دفع الكثيرين إلى السعي لتحقيق حياة كريمة في دول أخرى، حيث تتوفر بيئة أكثر استقرارًا اقتصاديًا.

 3. الاضطهاد السياسي والديني

واجه العديد من السوريين والعراقيين اضطهادًا سياسيًا ودينيًا، خاصة الأقليات، مثل الأيزيديين والمسيحيين، والعرب السنة والشيعة الذين يعارضون أنظمة الحكم في بلدانهم، مما دفعهم للهرب من الاضطهاد والاضطرابات.

4. رغبة في الاستقرار والتعليم والفرص المستقبلية

بالإضافة إلى أسباب الأمان، يسعى اللاجئون إلى تحسين ظروفهم المعيشية، والحصول على فرص تعليمية ووظيفية، وبناء مستقبل أفضل لأطفالهم، وهو ما توفره بعض الدول الأوروبية، بما فيها إسبانيا.

 5. الخيارات المحدودة في دول الجوار

على الرغم من أن دول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان استقبلت أعدادًا هائلة من اللاجئين السوريين والعراقيين، إلا أن الظروف هناك غالبًا ما تكون صعبة من حيث الخدمات والفرص، لذا يلجأ البعض إلى أوروبا كوجهة نهائية.

طرق الانتقال إلى إسبانيا

 1. اللجوء عبر التأشيرات والطلبات الرسمية

يُعد طلب اللجوء من خلال تقديم طلب رسمي في إسبانيا أو عبر دول أخرى تمر بها الرحلة، أحد الطرق. غالبًا، يبدأ اللاجئون رحلتهم من خلال التقديم على تأشيرات سياحية أو دراسية ثم يحولون وضعهم إلى لجوء بعد الوصول.

 2. عبور الحدود بطرق غير قانونية

كثير من اللاجئين يلجؤون إلى عبور الحدود بشكل غير قانوني، خاصة عبر البحر من خلال القوارب أو عبر البر من خلال معبر غير رسمي، رغم المخاطر الكبيرة المرتبطة بذلك، مثل خطر الغرق، أو الاعتقال، أو الترحيل.

 3. الوصول عبر دول أخرى

يبدأ الكثير من اللاجئين رحلتهم من خلال التنقل عبر تركيا، لبنان، أو الأردن، ثم يسافرون عبر دول الاتحاد الأوروبي، إما بشكل شرعي أو غير شرعي، قبل الوصول إلى إسبانيا، التي تعتبر واحدة من دول الاتحاد الأوروبي التي يمكن طلب اللجوء فيها.

تجارب اللاجئين السوريين والعراقيين في إسبانيا

 التحديات التي يواجهها اللاجئون

 1. إجراءات اللجوء والإقامة

تستغرق عمليات طلب اللجوء في إسبانيا وقتًا طويلًا، وغالبًا ما تكون الإجراءات معقدة، حيث يحتاج اللاجئ إلى تقديم الأدلة، وإجراء مقابلات، والانتظار لعدة شهور أو سنوات قبل الحصول على قرار.

 2. اللغة والاندماج

يعاني العديد من اللاجئين من صعوبة في تعلم اللغة الإسبانية، مما يؤثر على قدرتهم على الاندماج في المجتمع، والحصول على فرص عمل، والتواصل مع المؤسسات والخدمات.

 3. الفقر والبطالة

يعاني بعض اللاجئين من البطالة، خاصة في بداية الطريق، بسبب عدم توفر المهارات أو اللغة، أو التمييز، مما يؤدي إلى الاعتماد على المساعدات الاجتماعية أو العمل في وظائف منخفضة الأجر.

4. التحديات النفسية

عانى الكثير من اللاجئين من صدمات نفسية نتيجة تجربتهم في النزوح، والخسائر، والاضطرابات، وهو ما يتطلب دعمًا نفسيًا متخصصًا.

 الفرص والنجاحات

على الرغم من التحديات، استطاع العديد من اللاجئين بناء حياة جديدة في إسبانيا. بعضهم تمكن من تعلم اللغة، والحصول على فرص عمل، وافتتاح مشاريع صغيرة، أو استكمال دراستهم، والمساهمة في المجتمع الإسباني.

 قصص نجاح

- **محمد من سوريا**: بعد سنوات من النزوح، استطاع تعلم الإسبانية والعمل كمترجم، وبدأ مشروعًا صغيرًا لبيع المنتجات السورية.

- **عائلة عراقية**: هربت من بغداد، وحصلت على إقامة في إسبانيا، وبدأت عملية اندماج من خلال العمل في قطاع الخدمات، وتعلم اللغة، وتربية أطفالها في بيئة آمنة.

الانتقال من سوريا والعراق إلى إسبانيا: تجارب اللاجئين

 الفرص المتاحة والآفاق المستقبلية

إسبانيا، كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، توفر العديد من الفرص للاجئين، بما في ذلك برامج التدريب المهني، والدعم الاجتماعي، والتعليم، والعمل في قطاعات متعددة. الحكومة الإسبانية والمنظمات غير الحكومية تعمل على تحسين برامج الاندماج وتسهيل حياة اللاجئين.

ومع ذلك، تظل التحديات قائمة، خاصة فيما يتعلق بسياسات اللجوء، وضرورة تحسين ظروف المعيشة، وتوفير فرص عمل، وتعزيز برامج تعلم اللغة، ودعم الصحة النفسية.

 الخاتمة

الهجرة من سوريا والعراق إلى إسبانيا ليست مجرد رحلة من مكان إلى آخر، بل هي تجربة معقدة مليئة بالتحديات والأمل. فبينما يسعى اللاجئون إلى حياة آمنة ومستقرة، يواجهون العديد من العقبات، من الإجراءات القانونية إلى التحديات الاجتماعية والنفسية.

ومع ذلك، فإن تجارب اللاجئين تظهر أن بالإصرار والدعم، يمكن بناء حياة جديدة، والمساهمة في المجتمع الإسباني. وتتطلب هذه العملية تعاون الحكومات، والمنظمات الإنسانية، والمجتمعات المحلية لتوفير بيئة ملائمة تضمن حقوق وكرامة اللاجئين، وتفتح لهم آفاق مستقبلية أفضل.

 المراجع

- تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)

- بيانات وزارة الداخلية الإسبانية حول طلبات اللجوء والهجرة

- دراسات ميدانية وتقارير من منظمات حقوق الإنسان

- مقابلات وتجارب شخصية من اللاجئين السوريين والعراقيين في إسبانيا

تعليقات